محاضرة نوبل تلقيها توكل كرمان عام 2011 (مقتطفات)
لقد آمنت دائما بأن مقومة القمع والعنف ممكنة دون الركون إلى قمع وعنف مشابهين. كما آمنت بأن الحضارة الإنسانية هي ثمرة لجهد النساء والرجال معاً؛ ومتى غُبِنت المرأة ومُنِعت حقها الطبيعي في هذه العملية، تكشفت عورات المجتمع وبانت علله الحضارية بما يتأذى منه في نهاية الأمر المجتمع كله برجاله ونسائه. إن حل قضايا المرأة لا يمكن أن يتحقق إلى في مجتمع حر ديمقراطي تتحرر في طاقة الإنسان، طاقة النساء والرجال معاً. فحضارتنا تسمى الحضارة الإنسانية غير منسوبة لرجل أو امرأة.
ايتها السيدات يها السادة؛
منذ تقدين أول جائزة نوبل للسلام عام 1901، مات الملايين من البشر في حروب كان من الممكن تفاديها بشيء من الحكمة والشجاعة. وكان للبلاد العربية حظها من هذه الحروب المأساوية رغم أنها أرض النبوءات والرسالات السماوية الداعية إلى السلام. فمنها جاءت التوراة تحمل رساة: “لا تقتل”، ومنها حاء الإنجيل يبشر: “طوبى لصانع السلام “، ومنها جاء القرآن برسالته الخاتمة يحض: “يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة”. ويحذر “أن من قلت نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً”. و
ومع ذلك، فإن تاريخ الإنسانية ورغم منجزه العلمي الكبير ظل تاريخاً ملطخاً بالدماء. فالملايين قد سقطوا ضحايا في مسيرة قيام الممالك وسقوطها، التاريخ القديم يقول ذلك! التاريخ الحديث يؤكده! والشواهد الماثلة اليوم تقو إن جوهر الرسالات الداعية للسلم قد ديس عليه مراراً، وإن الضمير الإنساني كثيراً ما علت على صوته أصوات القاذفات واراجمات والقنابل وكل وسائل القتل!و
أيتها السيدات أيها السادة؛
إن شعور الإنسانية بالمسؤولية في صنع الحياة الكريمة وجعلها جديرة بالعيش بما يحقق كرامتها، كان دائماً أقوى من كل إرادة لقتل الحياة، وإن بقاء الجنس البشري رغم المقاتل الكبرى هو التعبير الكامل عن توق الإنسانية في مجملها إلى الإعمار لا الهدم، إلى التقدم لا التراجعة والفناء.
(…)
إن السلام لا يعني مجرد توقف الحرب، إنما يعني أيضاً توقف القمع والظلم. وفي منطقتنا العربية، هناك حروب طاحنة بين حكومات وشعوبها، وليس للضمير الإنساني أن يرتاح وهو يرى هذا الشباب العربي في عمر الزهور تحصده آلة الموت التي أشهرها في وجهه الطغاة.
(…)
إن كافة الأفكار والمعتقدات والشرائع والقوانين وامواثيق التي انتجتها مسيرة الانسانية عبر مراحل تطورها ونموها وكذا كل الرسالات والديانات الالهية بدون استثناء توجب الانتصار للمظلومين شعوباً كانو أو جماعات أو افراداً. ونصرة المظلوم لا تقتضيها فقط حاجته إلى المناصرة، ولكن لأن الظلم ضد الواحد هو ظلم للبشرية جمعاء.